براءة ذمة المؤمن من مبلغ التأمين إذا انتحر المؤمن على حياته في القانون المدني
ينص القانون المدني على أن المؤمن يبرأ من التزامه بدفع مبلغ التأمين إذا انتحر المؤمن على حياته، متى كان الانتحار قد وقع عن وعي وإدراك، أي بإرادة حرة ومدركة، وذلك باعتبار أن الخطر المؤمن منه (الوفاة) قد تحقق بفعل إرادي من الشخص ذاته، مما يُخرج الحادث عن طبيعته الاحتمالية التي يقوم عليها عقد التأمين.
ومع ذلك، فإن بعض القوانين والوثائق قد تُجيز استحقاق مبلغ التأمين جزئيًا أو كليًا إذا ثبت أن الانتحار كان نتيجة اختلال نفسي أو فقدان إدراك، كحالة المرض العقلي أو الاكتئاب الحاد، حيث يُعامل في هذه الحالة كحادث غير إرادي.
وقد تنص وثيقة التأمين أيضًا على شرط خاص باستحقاق مبلغ التأمين في حال الانتحار بعد مضي مدة معينة من بدء العقد (كعامين مثلًا)، وذلك لتفادي نية التربح من التأمين عبر الانتحار، وتحقيق التوازن بين مصلحة شركة التأمين وحقوق الورثة أو المستفيدين.
براءة ذمة المؤمن من مبلغ التأمين إذا انتحر المؤمن على حياته المادة 756 من القانون المدني
نص المادة 756 من القانون المدني تنص على :-
(1) تبرأ ذمة المؤمن من التزامه بدفع مبلغ التأمين إذا انتحر الشخص المؤمن على حياته . ومع ذلك يلتزم المؤمن أن يدفع لمن يؤول إليهم الحق مبلغاً يساوى قيمة احتياطي التأمين .
(2) فإذا كان سبب الانتحار مرضاً أفقد المريض إرادته ، بقى التزام المؤمن قائماً بأكمله . وعلى المؤمن أن يثبت أن المؤمن على حياته مات منتحراً . وعلى المستفيد أن يثبت أن المؤمن على حياته كان وقت انتحاره فاقد الإرادة .
( 3 ) وإذا اشتملت وثيقة التأمين على شرط يلزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين ولو آان انتحار الشخص عن اختيار وإدراك ، فلا يكون هذا الشرط نافذاً إلا إذا وقع الانتحار بعد سنتين من تاريخ العقد .
براءة ذمة المؤمن من مبلغ التأمين إذا انتحر المؤمن على حياته :
إذا انتحر المؤمن على حياته وكان انتحاره قد وقع عن وعي وإدراك، فإن شركة التأمين تبرأ من التزامها بدفع مبلغ التأمين، وفقًا لما تقضي به المادة 756 من القانون المدني المصري، ما لم يُتفق صراحة على خلاف ذلك. ويُستثنى من هذا الحكم إذا وقع الانتحار بعد مضي سنتين من تاريخ العقد، ففي هذه الحالة تلتزم شركة التأمين بدفع المبلغ، حتى وإن ثبت أن الانتحار كان عن وعي.
ويُبرر هذا الحكم بأن عقد التأمين على الحياة هو عقد احتمالي، والانتحار العمدي يُفقد هذا الطابع، إذ يُعد تحقيق الخطر بفعل المؤمن له ذاته خروجًا عن فكرة الصدفة التي يقوم عليها التأمين. ومع ذلك، إذا ثبت أن الانتحار كان نتيجة اختلال نفسي أو فقدان إدراك، فإن الحادث لا يُعد إراديًا، وتلتزم الشركة بدفع مبلغ التأمين، دون انتظار انقضاء مدة السنتين.
إلتزام المؤمن بأداء مبلغا يساوى قيمة إحتياطي التأمين :
إذا انتحر المؤمن على حياته خلال السنتين الأوليين من تاريخ عقد التأمين، وثبت أنه فعل ذلك عن وعي وإدراك، فإن المؤمن لا يلتزم بأداء مبلغ التأمين كاملاً، إلا أنه يظل مُلزمًا ـ بحسب ما تنص عليه وثائق التأمين في الغالب ووفقًا للقواعد العامة ـ بأداء مبلغ يعادل قيمة احتياطي التأمين المتكون حتى تاريخ الوفاة.
ويُقصد باحتياطي التأمين المبالغ التي احتفظت بها شركة التأمين من الأقساط المدفوعة، بعد خصم المصروفات والمخاطر، تمهيدًا للوفاء بالتزاماتها المستقبلية. ويُعد أداء هذا المبلغ نوعًا من التوازن بين مصلحة الشركة في الحماية من الغش، ومصلحة الورثة أو المستفيدين الذين قد لا يكون لهم يد في الانتحار، فيستحقون على الأقل ما تراكم من رصيد لصالح العقد.
جواز تأمين الإنتحار إستثناء :
رغم أن الأصل في التأمين على الحياة هو أن انتحار المؤمن على حياته عن وعي وإدراك لا يُلزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين، إلا أن القانون أجاز استثناءً من ذلك أن يُتفق صراحة في عقد التأمين على شمول التغطية لحالة الانتحار. ويُشترط لصحة هذا الاتفاق أن يكون واضحًا وصريحًا، وأن يُدرج ضمن شروط الوثيقة، وذلك احترامًا لخصوصية هذا الخطر وطبيعته غير الاحتمالية.
كما أن بعض الوثائق تُدرج شرطًا يُلزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين كاملاً إذا وقع الانتحار بعد مضي مدة معينة من تاريخ العقد – غالبًا سنتان – ولو وقع عن وعي، وهو ما يُعد استثناءً تشريعيًا معترفًا به في المادة 756 من القانون المدني. ويهدف هذا الاستثناء إلى التفرقة بين الانتحار الناتج عن سوء نية (بقصد التربح السريع من التأمين)، والانتحار الذي يقع بعد فترة طويلة دون وجود شبهة غش.
عبء الإثبات :
في حالة دفع شركة التأمين بعدم التزامها بسداد مبلغ التأمين بسبب انتحار المؤمن على حياته عن وعي وإدراك، فإن عبء إثبات الانتحار يقع على عاتق الشركة، باعتبارها هي من تدّعي واقعة مانعة من نشوء حق المستفيد. ويجب عليها أن تثبت أن الوفاة كانت انتحارًا فعليًا، وأنها تمت بإرادة حرة ومدركة، لا نتيجة لمرض نفسي أو اختلال في الإدراك.
ولا يكفي مجرد الاشتباه في ظروف الوفاة، بل يلزم أن تقدم شركة التأمين دليلًا قاطعًا ومحددًا على أن المؤمن له أقدم على الانتحار عن وعي، حتى تتمكن من التمسك بسقوط التزامها بدفع مبلغ التأمين.
فالأصل هو التزام الشركة بالوفاء، والاستثناء هو الإعفاء عند تحقق الانتحار الواعي، وبالتالي فإن هذا الاستثناء لا يُفترض ولا يُفسر لصالح الشركة، بل يجب إثباته وفقًا للقواعد العامة في الإثبات المدني.
إشتراط إلزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين :
أجاز القانون للمؤمن له أو المستفيد، عند التعاقد على التأمين على الحياة، أن يُدرج في الوثيقة شرطًا صريحًا يُلزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين حتى في حالة انتحار المؤمن على حياته، سواء وقع الانتحار عن وعي أو لا، وسواء قبل مضي سنتين من تاريخ العقد أو بعدها. ويُعد هذا الشرط استثناءً على القاعدة العامة التي تُعفي المؤمن من الدفع إذا كان الانتحار متعمدًا وواعيًا خلال أول سنتين.
ووجود مثل هذا الشرط يُحوّل التزام شركة التأمين من التزام احتمالي مشروط إلى التزام تعاقدي ثابت، متى تحقق الخطر بغضّ النظر عن سببه، ما دام المؤمن قد قبل صراحة تغطية هذا الخطر. ويُشترط لصحة هذا الاتفاق أن يكون واضحًا ومحددًا في الوثيقة، وأن لا يُخالف النظام العام، وهو ما يُضفي مرونة تعاقدية تسمح بتوسيع نطاق التغطية التأمينية وفقًا لإرادة الأطراف.
تسبب المؤمن له عمدا في وفاة الشخص المؤمن عليه المادة 757 من القانون المدني
تتناول المادة 757 من القانون المدني أحد الأحكام الخاصة بالتأمين على الحياة، وتحديدًا ما يتعلق بحق الحلول، وهو الحق الذي يُجيز للمؤمن (شركة التأمين) أن تحل محل المؤمن له أو المستفيد في الرجوع على الغير المتسبب في الحادث المؤمن منه، وذلك بعد أن تكون الشركة قد دفعت مبلغ التأمين.
لكن هذه المادة تُقيد هذا الحق في حالة التأمين على الحياة، نظرًا للطبيعة الخاصة لهذا النوع من التأمين، والذي لا يقوم على التعويض عن ضرر فعلي دائمًا، بل قد يكون مجرد ضمان مالي لحالة وفاة أو بقاء على قيد الحياة.
نص المادة 757 من القانون المدني تنص على :-
(1) إذا كان التأمين على حياة شخص غير المؤمن له ، برثت ذمة المؤمن من التزاماته متى تسبب المؤمن له عمداً فى وفاة ذلك الشخص ، أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه .
(2) وإذا كان التأمين على الحياة لصالح غير المؤمن له ، فلا يستفيد هذا الشخص من التأمين إذا تسبب عمداً فى وفاة الشخص المؤمن على حياته ، أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه . فإذا كان ما وقع من هذا الشخص مجرد شروع فى إحداث الوفاة ، كان للمؤمن له الحق فى أن يستبدل بالمستفيد شخصاً آخر ، ولو كان المستفيد قد قبل ما اشتراط لمصلحته من تأمين .
تسبب المؤمن له عمدا في وفاة الشخص المؤمن عليه :
إذا ثبت أن المؤمن له (أي المستفيد من التأمين) قد تسبَّب عمدًا في وفاة الشخص المؤمن على حياته، فإن هذا يؤدي إلى سقوط حقه في الحصول على مبلغ التأمين، سواء أكان التأمين من أجل الوفاة أم ضمن تأمين مختلط.
ويقوم هذا الحكم على اعتبارات أخلاقية وقانونية، إذ لا يجوز أن يستفيد الشخص من فعله غير المشروع، فالجريمة لا تُنشئ حقًا، ولا يُكافأ القاتل بثروة من وراء ضحيته.
وفي هذه الحالة، ينتقل مبلغ التأمين – بحسب الأحوال – إلى من يليه في الاستحقاق إذا كان هناك مستفيد احتياطي، أو إلى تركة المؤمن على حياته إن لم يُعيَّن مستفيد آخر.
ويُشترط لسقوط حق المؤمن له أن تكون الوفاة ناجمة عن فعل عمدي وإجرامي، أما إذا وقعت بسبب الإهمال أو الخطأ غير العمدي، فلا يسقط حقه في الاستفادة.
المستشار محمد منيب المحامي / أفضل محامٍ قضايا المحاكم المدنية في مصر
13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.