كيفية تحديد مقابل مهلة الإخطار في القانون المدني
يُحدَّد مقابل مهلة الإخطار في القانون المدني على أساس أجر العامل خلال تلك المدة، سواء كانت مهلة الإخطار كلها لم تُراعَ أو جزءًا منها فقط. ويُحتسب هذا الأجر وفقًا لما كان العامل يتقاضاه فعليًا وقت الإنهاء، شاملاً الأجر الأساسي وكل العناصر الثابتة والمتكررة التي تُعد جزءًا من الأجر، مثل العمولات أو البدلات الدورية. فإذا لم يُراعِ الطرف المُنهِي المهلة كاملة، التزم بتعويض يعادل أجر المدة كاملة أو ما تبقى منها، دون حاجة لإثبات الضرر. ويُعد هذا التعويض جزاءً مدنيًا مباشرًا على الإخلال بشرط جوهري في إنهاء عقد العمل غير محدد المدة، ويهدف إلى حماية الطرف الآخر من الإنهاء المفاجئ.
مناط إستحقاق العامل لمقابل مهلة الإخطار :
مناط استحقاق العامل لمقابل مهلة الإخطار هو أن يتم إنهاء عقد العمل غير محدد المدة من قبل صاحب العمل دون مراعاة المهلة القانونية أو الاتفاقية للإخطار. فإذا تم الإنهاء فجائيًا، أو بإخطار ناقص المدة، استحق العامل تعويضًا يعادل أجر المهلة غير المراعاة، سواء أصابه ضرر فعلي أم لا، باعتبار أن الضرر مفترض قانونًا.
ولا يشترط أن يكون العامل قد عمل خلال هذه المهلة فعليًا، لأن مناط الاستحقاق هو مجرد الإخلال بالإخطار الواجب، وليس أداء العمل خلالها، وذلك حمايةً لاستقرار العامل وتمكينه من ترتيب أوضاعه قبل انتهاء العلاقة الوظيفية .
مقابل مهلة الإخطار له صفة الأجر :
يتمتع مقابل مهلة الإخطار بصفة الأجر من الناحية القانونية، لأنه يُحتسب على أساس ما كان العامل يتقاضاه من أجر وقت الإنهاء، ويُمنح له مقابل فترة كان من المفترض أن يظل خلالها في الخدمة لولا الإنهاء المفاجئ. ويشمل هذا المقابل جميع عناصر الأجر المتكررة والثابتة، كالأجر الأساسي والبدلات والعمولات المنتظمة، شأنه في ذلك شأن الأجر المستحق عن العمل الفعلي.
وبالتالي، يخضع مقابل مهلة الإخطار للأحكام المتعلقة بالأجر من حيث قابلية الحجز، وأولوية الامتياز، والتقادم، ويُعد في بعض الحالات من الحقوق ذات الطبيعة الحمائية للعامل، التي لا يجوز التنازل عنها إذا كانت تمس الحد الأدنى الذي يكفله القانون.
المقصود بالتعسف :
المقصود بالتعسف هو استعمال الحق بطريقة تنطوي على انحراف عن هذا الحق أو تجاوز لحدوده بشكل يضر بالغير دون مبرر مشروع. وفي نطاق علاقات العمل، يتحقق التعسف عندما يُقدم أحد الطرفين، وغالبًا صاحب العمل، على إنهاء عقد العمل أو ممارسة صلاحياته بشكل يُلحق ضررًا بالعامل دون أن يكون لذلك سبب جدي أو مصلحة مشروعة.
ويُعد هذا السلوك خرقًا لمبدأ حسن النية الذي يجب أن يسود تنفيذ العقود، ويترتب عليه التزام بالتعويض للطرف المتضرر. ويخضع تقدير وجود التعسف لرقابة القضاء، الذي يزن ظروف كل حالة ومدى التناسب بين تصرف صاحب الحق والنتائج المترتبة عليه.
تقدير مبرر الإنهاء مسألة موضوعية :
تقدير وجود المبرر المشروع لإنهاء عقد العمل يُعد مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع في ضوء ظروف كل حالة على حدة، دون رقابة من محكمة النقض ما دام التقدير مبنيًا على أسباب سائغة. فالقاضي يوازن بين الأسباب التي يقدمها الطرف المُنهِي للعقد، ومدى جديتها ومشروعيتها، وبين الأثر الواقع على الطرف الآخر.
فإذا ثبت أن الإنهاء تم لأسباب حقيقية تتعلق بمصلحة العمل أو بسلوك العامل، عُد الإنهاء مشروعًا. أما إذا تبين أن الإنهاء تم بدون مبرر كافٍ أو استُخدم بطريقة تعسفية، استحق الطرف المتضرر التعويض. ويُظهر ذلك أن القانون لا يكتفي بالشكل، بل يُعطي أهمية للمضمون والنية الكامنة وراء الإنهاء.
العبرة في التعسف بالظروف والملابسات القائمة وقت الإنهاء لا بعده :
العبرة في قيام التعسف عند إنهاء عقد العمل تكون بالظروف والملابسات القائمة وقت الإنهاء ذاته، لا بما يستجد بعده. فالقاضي يقيّم مشروعية الإنهاء بناءً على النية الظاهرة وسلوك الطرف المُنهِي في لحظة الإنهاء، وما إذا كان لديه مبرر جدي وقتها، دون الالتفات إلى أحداث لاحقة قد لا تكون متصلة بحقيقة القرار.
فإذا تبيّن أن الإنهاء قد تم في وقت لم تكن فيه هناك أسباب مشروعة، أو كان الدافع له هو الإضرار بالعامل أو الانتقام منه، اعتُبر تعسفيًا، حتى لو ظهرت لاحقًا مبررات كان من الممكن أن تُتخذ كأساس للإنهاء. وهذا يعكس التزام القضاء بضرورة حماية العامل من تعسف صاحب العمل بناءً على الوقائع القائمة وقت اتخاذ قرار الإنهاء فقط.
إثبات التعسف :
إثبات التعسف في إنهاء عقد العمل يقع في الأصل على العامل المُدعي بالتعسف، حيث يجب عليه أن يُثبت أن صاحب العمل قد أنهى العقد دون سبب مشروع أو بدافع الإضرار به أو بسوء نية. ويجوز للعامل أن يستند في إثبات ذلك إلى القرائن والظروف المحيطة بالإنهاء، مثل توقيت القرار، أو غياب أي مخالفات أو ملاحظات على أدائه، أو تكرار قرارات مشابهة بحق زملائه دون مبرر.
كما أن تمسك العامل بطلب التعويض عن الإنهاء لا يُلزمه بإثبات الضرر المادي تحديدًا، بل يكفي أن يُثبت أن الإنهاء تم بصورة مفاجئة أو انتقامية أو غير مبررة، ليكون على صاحب العمل عبء إثبات وجود سبب مشروع يبرر إنهاء العقد.
تطبيق تشريعي للفصل التعسفي :
تُجسّد قوانين العمل، ومنها القانون المدني المصري وقانون العمل رقم 12 لسنة 2003، تطبيقًا تشريعيًا واضحًا لمبدأ الفصل التعسفي، حيث تنص على أنه لا يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل غير محدد المدة إلا إذا كان الإنهاء قائمًا على سبب مشروع وجدي، وأن مخالفة ذلك تُعد إنهاءً تعسفيًا يترتب عليه التزام صاحب العمل بتعويض العامل عن الضرر الذي لحقه.
وقد أكدت المادة 122 من قانون العمل أن الفصل دون مبرر مشروع يُلزم صاحب العمل بتعويض العامل تعويضًا عادلاً، حتى إذا تم الإخطار به مسبقًا. ويُعد هذا النص التشريعي أداة قانونية لحماية العامل من تعسف صاحب العمل، ويُرسّخ مبدأ العدالة والتوازن في علاقة العمل.
الفصل بسبب وجود ديون على العامل أو حجوز وقعت عليه :
لا يُعد وجود ديون على العامل أو توقيع حجوز على أجره سببًا مشروعًا لفصله من العمل، ما لم تُثبت أن هذه الحالة قد أثّرت فعليًا على أدائه لواجباته الوظيفية أو أضرت بثقة صاحب العمل فيه إذا كانت طبيعة العمل تتطلب ذلك، كالمناصب المالية أو المحاسبية.
فالأصل أن الالتزامات المالية الخاصة بالعامل تُعد من شؤونه الشخصية، ولا يجوز لصاحب العمل أن يتخذ منها ذريعة للفصل، لأن ذلك يُعد فصلًا تعسفيًا يخالف القواعد العامة في القانون المدني وقانون العمل، ويُرتب للعامل الحق في التعويض، ما لم تُقدَّم أسباب مهنية حقيقية ومحددة تُبرر هذا الإنهاء.
تطبيقات قضائية للإنهاء التعسفي من جانب صاحب العمل :
أقرت محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها مبدأ بطلان الإنهاء التعسفي لعقد العمل من جانب صاحب العمل، وقررت أن مجرد إنهاء العقد غير محدد المدة دون سبب مشروع أو دون إخطار يُعد استعمالًا غير مشروع للحق، يُرتب التزامًا بالتعويض لصالح العامل. ومن التطبيقات القضائية البارزة، ما قضت به المحكمة بأن: "إنهاء عقد العمل غير محدد المدة لمجرد الرغبة في الاستغناء عن العامل دون مبرر جدي يُعد فصلاً تعسفيًا، يستوجب التعويض حتى مع وجود إخطار."
كما قررت المحكمة أن المعيار في مشروعية الإنهاء هو وجود سبب قائم وقت اتخاذ القرار، وليس ما قد يُدّعى بعده، وأن عبء إثبات هذا السبب يقع على صاحب العمل. وهذه التطبيقات تُكرّس الحماية القانونية للعامل من التعسف وتُرسّخ مبدأ الاستقرار في علاقات العمل.