تطبيقات بالنسبة لبعض الأشخاص في القانون المدني
تتعدد تطبيقات عقد العمل في القانون المدني بالنسبة لبعض الفئات من الأشخاص الذين قد يُثير مركزهم القانوني بعض اللبس، ويُطرح بشأنهم التساؤل: هل هم عمال أم لا؟ ومن أبرز هذه الفئات: المدير في الشركة، والوكيل التجاري، والممثل، والطبيب، والمهندس، وغيرهم ممن يؤدون أعمالًا لحساب الغير. فالعبرة دائمًا لا تكون بالمسمى الوظيفي أو درجة الاستقلال المهني، بل بحقيقة العلاقة: فإذا ثبت أن الشخص يعمل تحت إشراف وتوجيه جهة معينة، ويلتزم بأداء عمل محدد مقابل أجر، اعتُبر في حكم العامل، وتُطبق عليه أحكام عقد العمل وفقًا للمادة 674 من القانون المدني، حتى ولو كان يتمتع بمؤهلات خاصة أو سلطة إدارية. أما إذا كان يعمل باستقلال تام دون توجيه أو رقابة، خرج عن نطاق عقد العمل، واعتُبرت علاقته القانونية من طبيعة أخرى كالمقاولة أو الوكالة.
اولا : الأطباء :
تُثار في حالة الأطباء مسألة تحديد ما إذا كانت علاقتهم بالجهة التي يعملون لديها تُعد عقد عمل أم علاقة من نوع آخر، وذلك بحسب طبيعة وظروف أداء العمل. فإذا كان الطبيب يعمل لدى مستشفى أو منشأة طبية تحت إشراف إداري وتنظيمي من الإدارة، ويلتزم بمواعيد محددة، ويتقاضى أجرًا شهريًا مقابل عمله، فإن العلاقة تُعد عقد عمل يخضع لأحكام المادة 674 من القانون المدني، رغم ما يتمتع به الطبيب من استقلال فني.
أما إذا كان الطبيب يُباشر عمله باستقلال تام، دون رقابة أو توجيه من الجهة التي يعمل معها، ويحتفظ بحرية تنظيم عمله وتحديد أتعابه، فإن العلاقة تخرج عن نطاق عقد العمل، وتُعد في هذه الحالة أقرب إلى عقد المقاولة. ومن ثم، فالعبرة دائمًا بوجود عنصر التبعية التنظيمية وليس بالمهنة ذاتها.
ثانيا : المحامون :
يُعد تحديد الطبيعة القانونية للعلاقة بين المحامين والجهات التي يعملون لديها من المسائل التي تعتمد على واقع العلاقة لا مجرد المسمى. فالأصل أن المحامي يُباشر عمله باستقلال تام، ويُعتبر صاحب مهنة حرة، لكن إذا عمل لدى مكتب محاماة أو شركة أو جهة معينة تحت إشراف إداري وتنظيمي، ويلتزم بساعات عمل محددة، ويتقاضى أجرًا ثابتًا، فإن العلاقة تكون أقرب إلى عقد عمل وتخضع لأحكام المادة 674 من القانون المدني، مع الاحتفاظ باستقلاله المهني في أداء المهام القانونية. أما إذا كان المحامي يقدم خدماته بصفته المستقلة، ويحتفظ بحرية تنظيم عمله وأتعابه، فالعلاقة تُعد عقد وكالة أو عقد مقاولة بحسب الأحوال. وبالتالي، فإن عنصر التبعية التنظيمية ووجود الأجر المنتظم هما الفيصل في تكييف العلاقة القانونية بين المحامي والجهة التي يعمل معها.
ثالثا : الموسيقى :
هو عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين، يُسمى المقرض، بأن يُسلِّم للآخر، وهو المقترض، مبلغًا من المال أو شيئًا مثليًا، على أن يرد المقترض مثله بعد أجل محدد. ويُعد عقد القرض من عقود التراضي والتبرع إذا كان بدون فائدة، أو من عقود المعاوضة إذا اشترطت فيه فائدة أو عائد.
ويشترط في القرض أن يكون محل الالتزام شيئًا مثليًا، كالنقود أو السلع التي تُستبدل بمثلها، وأن يكون القرض مشروعًا وغير مخالف للنظام العام. ويلتزم المقترض برد الشيء المقترض في الموعد المحدد، سواء استُعمل القرض في الغرض المتفق عليه أو لا، ما لم ينص العقد على خلاف ذلك.
رابعا : ممثل السينما والمسرح :
هو عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين، وهو العامل، بأن يؤدي عملاً لحساب الطرف الآخر، وهو صاحب العمل، تحت إشرافه وإدارته، مقابل أجر متفق عليه. ويتميز عقد العمل بثلاثة عناصر أساسية: أداء العمل، والتبعية التي يكون فيها العامل خاضعًا لتوجيهات صاحب العمل، والأجر الذي يُعد المقابل لما يؤديه العامل من جهد. ويُعد عقد العمل من عقود المعاوضة والزمنية، لأنه ينشئ التزامًا مستمرًا على العامل طوال مدة معينة. ويخضع هذا العقد لأحكام خاصة تهدف إلى حماية الطرف الضعيف، وهو العامل، كضمان حد أدنى من الحقوق، وتوفير شروط العمل الآمن، وتنظيم ساعات العمل والإجازات والتأمينات.
خامسا : المخرج السينمائي :
يتوقف تكييف العلاقة بين المخرج السينمائي وجهة الإنتاج على طبيعة الدور الذي يؤديه وطريقة تنظيم العلاقة. فإذا كان المخرج يعمل لدى شركة إنتاج سينمائي أو مؤسسة إعلامية بصورة منتظمة، ويلتزم بتعليماتها الإدارية والتنظيمية، ويُنجز أعماله تحت إشراف عام من الجهة المنتجة، ويتقاضى أجرًا دوريًا مقابل عمله، فإن العلاقة تُعد عقد عمل وتخضع لأحكام المادة 674 من القانون المدني، رغم ما يتمتع به المخرج من حرية فنية واستقلال إبداعي.
أما إذا كان المخرج يُكلف بإنجاز عمل محدد مقابل أجر مقطوع، ويتمتع باستقلال تام في تنظيم عمله دون خضوع لتوجيه إداري، فإن العلاقة تُعد أقرب إلى عقد مقاولة فنية. وبالتالي، فإن العبرة ليست بالمسمى أو الوظيفة، بل بتوافر التبعية التنظيمية والأجر كركنين أساسيين لقيام عقد العمل.
سادسا : المدرسون في المدارس الخاصة :
يُعد المدرسون في المدارس الخاصة من الفئات التي تُنطبق عليهم أحكام عقد العمل وفقًا للمادة 674 من القانون المدني، متى توافرت عناصر العقد، وعلى رأسها التبعية التنظيمية والأجر. فالمدرس يلتزم بتقديم دروسه وفقًا لجدول محدد تضعه إدارة المدرسة، ويخضع لتعليمات إدارية وتربوية تتعلق بطريقة التدريس والانضباط وسير العملية التعليمية، مما يُحقق عنصر التبعية القانونية.
كما يتقاضى المدرس أجرًا شهريًا مقابل عمله، سواء كان مثبتًا أو متعاقدًا. وبالتالي، فإن العلاقة بين المدرس والمدرسة الخاصة تُعد في الغالب عقد عمل يُخضع المدرس لأحكام قانون العمل، ويكفل له الحماية القانونية في ما يتعلق بالأجر، وساعات العمل، والإجازات، وحقوق نهاية الخدمة.
سابعا : قارئ القراءان :
تتوقف الطبيعة القانونية لعلاقة قارئ القرآن بالجهة التي يستعين بخدماته على كيفية أدائه للعمل وظروف تنظيم العلاقة. فإذا كان قارئ القرآن يُكلف بالحضور إلى مسجد أو إذاعة أو مناسبة دينية بصفة غير منتظمة، ويتقاضى أجرًا عن كل مناسبة دون خضوعه لإشراف أو رقابة دائمة، فإن العلاقة تكون أقرب إلى عقد تقديم خدمة أو مقاولة خاصة، وليست عقد عمل بالمعنى القانوني.
أما إذا كان يعمل لدى جهة دينية أو إعلامية بصورة منتظمة، ويتقاضى أجرًا دوريًا، ويلتزم بجداول وأوقات محددة، ويخضع لتعليمات إدارية، فإن العلاقة تكتسب صفات عقد العمل وفقًا للمادة 674 من القانون المدني. والعبرة في جميع الأحوال هي بتوافر عنصري التبعية التنظيمية والأجر، لا بطبيعة المهنة الدينية أو اسم العقد.
ثامنا : القسس والعاملون بالكنائس :
تُحدَّد الطبيعة القانونية لعلاقة القسس والعاملين بالكنائس بالكنيسة أو الهيئة الدينية التي ينتمون إليها بحسب طبيعة المهام التي يُباشرونها وكيفية تنظيم العلاقة. فالأصل أن القس يُعد رجل دين يؤدي وظيفة دينية روحية، وتقوم علاقته بالكنيسة على أساس ديني وروحي لا على أساس تعاقدي مدني، ما يجعل العلاقة تخرج غالبًا عن نطاق عقد العمل بالمعنى الوارد في المادة 674 من القانون المدني.
ومع ذلك، إذا ثبت أن القس أو العامل بالكنيسة يؤدي عمله بصورة منتظمة، ويتقاضى أجرًا محددًا، ويخضع لإشراف إداري وتنظيم داخلي من الكنيسة أو الهيئة، فإن العلاقة قد تكتسب صفات عقد العمل من الناحية القانونية، خاصة بالنسبة للموظفين الإداريين أو الفنيين العاملين بالكنائس. وبالتالي، فإن العبرة ليست فقط بصفة العمل الديني، بل بوجود الأجر والتبعية التنظيمية في الواقع العملي.
تاسعا : الباعة الجائلون المكلفون ببيع البترول مقابل عمولة :
تُثار مسألة تكييف العلاقة بين الجهات التي تُكلف الباعة الجائلين ببيع منتجات البترول مقابل عمولة وما إذا كانت تُعد علاقة عمل أم لا، بالنظر إلى عناصر العلاقة الواقعية. فإذا كان البائع يعمل تحت إشراف وتوجيه الجهة التي تكلفه، ويلتزم بأسعار محددة، وخط سير معين، ويُحاسب على الكميات الموزعة، ويخضع لنظام رقابي أو إداري، فإن العلاقة تُعد عقد عمل طبقًا للمادة 674 من القانون المدني، حتى لو كان أجره في صورة عمولة.
أما إذا كان البائع يشتري البضائع لحسابه ويتصرف فيها بحرية دون رقابة أو توجيه مباشر، ويتحمل هو مخاطر الربح والخسارة، فإن العلاقة تكون أقرب إلى علاقة تجارية مستقلة أو عقد وكالة بالعمولة. وبالتالي، فإن توافر التبعية التنظيمية واستحقاق العمولة بوصفها أجرًا هما الفيصل في تكييف العلاقة قانونًا.
عاشرا : مديرو فروع الشركات أو المحاول التجارية :
تكييف العلاقة القانونية لِـمديري فروع الشركات أو المحال التجارية يتوقف على طبيعة سلطاتهم ومدى استقلالهم في العمل. فإذا كان المدير يباشر عمله باسم ولحساب الشركة أو مالك المحل، ويخضع لتعليمات إدارية وتوجيهات تصدر من المركز الرئيسي أو من الإدارة العليا، ويلتزم بساعات عمل محددة، ويتقاضى أجرًا ثابتًا أو نسبيًا، فإن العلاقة تُعد عقد عمل يخضع لأحكام المادة 674 من القانون المدني، رغم ما قد يتمتع به المدير من بعض السلطات التنفيذية.
أما إذا كان المدير يتصرف بصفته شريكًا أو وكيلاً حُرًّا أو يتولى إدارة الفرع باستقلال تام وعلى مسؤوليته الخاصة، فإن العلاقة تخرج عن نطاق عقد العمل، وتُعتبر علاقة تجارية أو وكالة. والعبرة في التكييف هي بتوافر عنصر التبعية القانونية والأجر، لا بلقب "مدير" وحده.
حادى عشر : مندوب التأمين بشركات التأمين :
تختلف الطبيعة القانونية لعلاقة مندوب التأمين بشركات التأمين بحسب تنظيم العلاقة وظروف العمل الفعلية. فإذا كان المندوب يلتزم بالحضور في أوقات محددة، ويعمل تحت إشراف الشركة وتوجيهاتها، ويتقاضى أجرًا ثابتًا أو عمولة منتظمة، ويخضع لنظام إداري داخلي، فإن العلاقة تُعد عقد عمل وفقًا للمادة 674 من القانون المدني، حتى إذا كان أجره يعتمد كليًا أو جزئيًا على عمولة.
أما إذا كان المندوب يمارس عمله بصورة مستقلة، دون التزام بمواعيد عمل أو تعليمات مباشرة من الشركة، ويتحمل مسؤولية الاتصال بالعملاء وتنظيم وقته، فإن العلاقة تكون أقرب إلى عقد وكالة أو عقد مقاولة بالعمولة. والعبرة في التكييف ليست فقط بنوع المقابل، بل بوجود التبعية القانونية والتنظيمية التي تجعل من المندوب في حكم العامل لدى الشركة.
مكتب المستشار محمد منيب
📍 التواصل مع مكتب المستشار محمد منيب الخبير فى قضايا المدني والعقارات
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774