الوهبة في القانون المدني
الوهبة في القانون المدني تُقصد بها المال أو المنفعة التي يُعطيها شخص لآخر بغير مقابل، على سبيل التبرع أو العطاء المجاني، دون أن يلتزم المتلقي بأداء عمل مقابلها. ويُشترط في الوهبة أن تصدر عن إرادة حرة، وألا يكون لها سبب تجاري أو تعاقدي، فهي تختلف عن الأجر أو المكافأة أو المنحة المنتظمة، إذ لا ترتبط بعلاقة عمل أو أداء معين. وقد نص القانون المدني على أحكام الهبة ضمن العقود الملزمة لجانب واحد، وتخضع لشروط خاصة كوجوب القبول، وأحيانًا الكتابة، ويجوز الرجوع فيها بشروط معينة. وفي مجال علاقات العمل، إذا ثبت أن ما صُرف للعامل كان على سبيل الوهبة البحتة غير المرتبطة بالوظيفة أو بالعرف أو بالتنظيم الداخلي، فإنها لا تُعد جزءًا من الأجر ولا يُعتد بها في حساب الحقوق المالية للعامل.
الوهبة المادة 684 من القانون المدني
تُعالج المادة 684 حالة خلو عقد العمل من نص يحدد الأجر، أو عدم وجود تنظيم له من خلال لائحة داخلية أو اتفاقية جماعية أو حتى عرف مهني مستقر. فهي تنظم وسائل تقدير أجر العامل في حال غياب الاتفاق الصريح عليه، حفاظًا على حق العامل في الأجر، باعتباره عنصراً جوهريًا في عقد العمل لا يقوم العقد بدونه.
نص المادة 684 من القانون المدني تنص على :-
(1) لا يلحق بالأجر ما يعطى على سبيل الوهبة إلا فى الصناعة أو التجارة التى جرى فيها العرف بدفع وهبة وتكون لها قواعد تسمح بضبطها .
(2) وتعتبر الوهبة جزءاً من الأجر ، إذا كان ما يدفعه منها العملاء إلى مستخدمى المتجر الواحد يجمع فى صندوق مشترك ليقوم رب العمل بعد ذلك بتوزيعه على هؤلاء المستخدمين بنفسه أو تحت إشرافه.
(3) ويجوز فى بعض الصناعات آصناعة الفنادق والمطاعم والمقاهي والمشارب ، ألا يكون للعامل أجر سوى ما يحصل عليه من وهبة وما يتناول من طعام.
الأصل في الوهبة أنها تبرعية :
الأصل في الوهبة أنها تصرف تبرعي يصدر عن الشخص بمحض إرادته، ويُقصد به الإثراء المجاني للغير دون مقابل، أي أنها تقوم على نية التبرع لا المعاوضة. ولهذا تُعد من العقود الملزمة لجانب واحد، إذ لا يُنتظر من الموهوب له أداء مقابل، ولا ترتبط الوهبة بأداء عمل أو خدمة أو نتيجة.
ويترتب على هذه الطبيعة التبرعية أن الوهبة لا تُفترض، بل يجب إثبات قصد التبرع بوضوح، لأن الأصل في التصرفات أن تكون مقابل عوض، ولا يُصار إلى اعتبار التصرف تبرعًا إلا إذا توافرت الدلائل القطعية على ذلك. وقد استقر القضاء على أن الوهبة لا تُفسر توسعًا، ولا تُعتد بها في العلاقة بين العامل وصاحب العمل إلا إذا ثبت أنها محض تبرع لا صلة له بالعمل أو بأجر العامل.
شروط إعتبار الوهبة جزءا من الأجر
1- أن يجرى العرف بدفعها :
إذا جرى العرف على دفع الوهبة للعاملين بصفة منتظمة ومستقرة، فإنها تفقد طبيعتها التبرعية وتُصبح التزامًا ضمنيًا على صاحب العمل، وتُعد بذلك جزءًا من الأجر. فالعرف المهني أو العرف داخل جهة العمل يُعد مصدرًا من مصادر الالتزام، ويكتسب قوته القانونية متى كان عامًّا، مستقرًّا، ومتكررًا، وتوافرت فيه عناصر الانتظام والثبات.
ويُعتد بهذا العرف سواء كان مكتوبًا أو غير مكتوب، ويجوز إثباته بكافة طرق الإثبات، ككشوف المرتبات أو شهادة الشهود أو المستندات الداخلية. وقد استقر القضاء على أن استمرار صاحب العمل في دفع مبلغ معين تحت مسمى وهبة أو منحة أو مكافأة، وبشكل دوري لجميع العاملين، يُنشئ عرفًا ملزمًا، ويُعتبر قرينة على وجود نية التزام، مما يجعل المبلغ جزءًا لا يتجزأ من الأجر المستحق للعامل.
2- أن توجد قواعد تسمح بضبطها :
لكي تُعتبر الوهبة أو المنحة جزءًا من الأجر، يجب أن توجد قواعد تسمح بضبطها وتنظيم صرفها، سواء من خلال نص في لائحة العمل، أو نظام داخلي، أو اتفاق جماعي، أو عرف مستقر داخل المنشأة. فوجود مثل هذه القواعد يُشير إلى أن صرف الوهبة لم يعد أمرًا تبرعيًا خاضعًا لمشيئة صاحب العمل، بل أصبح منظمًا وفق معايير موضوعية قابلة للتطبيق والرقابة، كأن يُربط صرفها بمدة الخدمة، أو مستوى الأداء، أو حلول مناسبة معينة.
وهذه القواعد تُسهّل إثبات استحقاق العامل لها، وتُؤكد أنها ليست من قبيل التبرع، بل عنصر مالي منضبط في العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل. وقد اعتبر الفقه والقضاء أن وجود هذه القواعد يُعد قرينة قوية على تحول الوهبة إلى التزام دوري، وبالتالي دخولها في حساب الأجر وما يترتب عليه من آثار قانونية.
هل يجوز أن تكون الوهبة هي كل الأجر ؟
لا يجوز في الأصل أن تكون الوهبة هي كل الأجر، لأن الأجر – وفقًا لمفهومه في القانون المدني وقوانين العمل – يجب أن يكون مقابلًا محددًا لجهد العامل وأدائه، وأن يتمتع بقدر من الثبات والوضوح يضمن للعامل حدًا أدنى من الأمان المالي. والوهبة، بحكم طبيعتها، تقوم على التبرع وعدم الالتزام، وهي عرضة للتغيير أو الانقطاع بحسب إرادة صاحب العمل أو ظروفه، مما يُفقد العامل الضمان والاستقرار الواجبين في علاقات العمل.
لذلك، إذا كانت الوهبة تُصرف للعامل كامل أجره دون أن يكون هناك أجر ثابت معلوم أو متفق عليه، فإن ذلك يُعد مخالفًا لمبدأ الأجر مقابل العمل، ويُعرّض العلاقة للتكييف كعقد باطل أو مشوب بعدم الجدية، خاصة إذا لجأ العامل للقضاء للمطالبة بحقوقه. ومع ذلك، إذا ثبت أن الوهبة كانت تُصرف بصفة منتظمة وثابتة ومرتبطة بالعمل، فإنها قد تُعتبر جزءًا من الأجر أو الأجر كله بحكم الواقع والعرف، لكن بشرط أن تكون قابلة للضبط والإثبات.
كيفية توزيع الوهبة :
تتم توزيع الوهبة – متى وُجدت وكانت مقررة من صاحب العمل أو من عملاء المنشأة كأجر إضافي – وفقًا للقواعد التي يحددها العرف أو اللائحة الداخلية أو ما هو متفق عليه بين صاحب العمل والعاملين. وفي حال عدم وجود تنظيم خاص، فإن التوزيع يجب أن يتم بشكل عادل ومنضبط، يُراعي فيه درجة الوظيفة، وطبيعة العمل، ومدى مساهمة العامل في تحقيق الخدمة أو الإنتاج الذي ترتب عليه تقديم الوهبة.
وقد يستند التوزيع إلى نسبة مئوية ثابتة من قيمة الوهبة، أو يُوزع بالتساوي، أو بحسب فئات وظيفية، بشرط عدم التمييز التعسفي بين العمال. ويُشترط أن يكون التوزيع منتظمًا وشفافًا، وأن لا يُخالف قواعد العدالة أو مبدأ المساواة بين من هم في ذات المركز الوظيفي. وإذا ثبت أن صاحب العمل يتقاضى وهبة من الغير ويمتنع عن توزيعها على العاملين الذين يساهمون في سببها، جاز لهم قانونًا المطالبة بحقهم فيها باعتبارها جزءًا من الأجر المستحق.
الوهبة في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 :
تناول قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 مسألة الوهبة ضمن عناصر الأجر، حيث نص في المادة 1/هـ على أن الأجر يشمل "كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله، ثابتًا كان أو متغيرًا"، وذكر ضمن ذلك النسب المئوية والوهبة التي تُمنح للعامل من العملاء أو من صاحب العمل، متى كانت تُصرف بانتظام واستقرت باعتبارها جزءًا من دخل العامل.
ويُفهم من ذلك أن القانون لا ينظر إلى الوهبة على أنها تبرع بالمعنى المجرد، وإنما يعتد بها كعنصر من عناصر الأجر إذا توافرت شروط معينة، مثل الانتظام في الصرف، وارتباطها بالوظيفة، وشيوعها بين العمال، أو خضوعها لنظام توزيع داخلي.
فإذا ثبت ذلك، أصبحت الوهبة حقًا مكتسبًا للعامل، تدخل في حساب الأجر لأغراض التأمينات والضرائب وتعويضات نهاية الخدمة، ولا يجوز لصاحب العمل إلغاؤها أو تعديلها بإرادته المنفردة، لأنها تجاوزت التبرع وأصبحت التزامًا ضمنيًا بموجب العرف أو الممارسة المنتظمة.
الأستاذ _ محمد منيب المحامي
الخبير القانونى أحسن محامى في القضايا المدنى فى مصر
التواصل مع مكتب المستشار محمد منيب الخبير فى القضايا المدنى
13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774