الخطر في عقد التأمين في القانون المدني
يُعد الخطر العنصر الجوهري في عقد التأمين، إذ يقوم التأمين على فكرة مواجهة النتائج المالية لوقوع خطر محتمل وغير محقق الوقوع وقت التعاقد. والخطر في هذا السياق هو الحادث المستقبل المجهول الذي يهدد المؤمن له في ماله أو شخصه، ويترتب على تحققه التزام شركة التأمين بأداء مبلغ التأمين أو التعويض. ويشترط في الخطر أن يكون مشروعًا، وألا يكون مؤكد الوقوع أو مستحيل الوقوع وقت العقد، وألا يكون ناشئًا عن فعل متعمد من المؤمن له، وإلا بطل التأمين. كما يجب أن يكون الخطر مُحدَّدًا أو قابلاً للتحديد على نحو يسمح لشركة التأمين بتقدير احتمالية وقوعه ومقدار الالتزام المترتب عليه.
الخطر في عقد التأمين المادة 751 من القانون المدني
تنظم المادة 751 حالة خاصة في عقد التأمين، وهي التأمين الذي يبرم بعقد واحد لمصلحة عدة أشخاص. وتظهر هذه الحالة في التأمينات الجماعية، مثل التأمين الجماعي على حياة الموظفين أو على مسؤولية عدة شركاء أو على بضائع مملوكة لعدة أفراد.
وتهدف المادة إلى ضمان العدالة والتوازن في العلاقة التأمينية، من خلال إقرار مبدأ استقلال مصالح المؤمن لهم المتعددين، وتحديد أثر تحقق الخطر بالنسبة لهم.
نص المادة 751 من القانون المدني تنص على :-
لا يلتزم المؤمن فى تعويض المؤمن له إلا عن الضرر الناتج من وقوع الحظر المؤمن منه بشرط ألا يجاوز ذلك قيمة التأمين .
شروط الخطر في عقد التأمين
الشرط الأول : أن يكون الخطر محتمل الوقوع :
يشترط لصحة عقد التأمين أن يكون الخطر المؤمن منه محتمل الوقوع وقت إبرام العقد، أي غير محقق بالفعل ولا مستحيل الحصول. فالاحتمال هو ما يُبرر وجود عقد التأمين، لأن المؤمن له يدفع القسط مقابل تغطية خطر قد يقع وقد لا يقع. فإذا كان الخطر قد تحقق فعلاً قبل التعاقد، فإن التأمين يكون باطلًا لانعدام المحل. وكذلك إذا كان وقوع الخطر مستحيلاً بطبيعته أو بحسب ظروف الحال، فلا ينعقد العقد. والعبرة في ذلك بما كان يعلمه طرفا العقد، خاصة المؤمن له، وقت إبرامه، لا بما تبين لاحقًا من واقع الحال.
الشرط الثاني : أن يكون الخطر مستقبلا :
من الشروط الأساسية لصحة عقد التأمين أن يكون الخطر المؤمن منه مستقبلاً، أي لم يقع بعد وقت إبرام العقد. فالتأمين لا ينعقد على حادث تحقق بالفعل، لأن العقد يفترض المجازفة باحتمال وقوع الخطر مستقبلاً. وإذا تبيَّن أن الخطر قد وقع قبل التعاقد، فإن العقد يكون باطلًا لانعدام المحل، إلا إذا كان الطرفان، أو أحدهما على الأقل، يجهل هذا الوقوع وقت التعاقد، ففي هذه الحالة يُعد الخطر مستقبلاً بحسب الظاهر وتظل التغطية صحيحة. فالعبرة ليست بالواقع المادي، بل بما كان يُعتقد وقت التعاقد، وفقًا لمعيار العلم والجهل لدى أطراف العقد.
الشرط الثالث : ألا يتوقف الخطر على محض إرادة أحد المتعاقدين :
يشترط في الخطر محل عقد التأمين ألا يكون خاضعًا بالكامل لإرادة أحد المتعاقدين، وبخاصة المؤمن له، لأن التأمين يقوم على المجازفة، فإذا كان تحقق الخطر أو عدمه مرهونًا بإرادة أحد الطرفين فقط، زال عنصر الاحتمال وانهار الأساس الذي يقوم عليه العقد. فمثلًا، لا يصح التأمين ضد خطر يمكن للمؤمن له أن يحققه أو يتفاداه بإرادته المنفردة، كأن يؤمّن على عدم حضور عمله وهو من يقرر الحضور أو الغياب، أو أن يتعمّد إتلاف الشيء المؤمن عليه. وفي هذه الحالات، يكون العقد باطلًا أو يُستبعد الخطر المفتعل من نطاق التغطية، لأن التأمين لا يُبرم لضمان الأفعال الإرادية، بل لمواجهة الأخطار الخارجة عن السيطرة العمدية للأطراف.
(أ) مضمون الشرط :
يقوم هذا الشرط على ضرورة أن يكون الخطر في عقد التأمين ناتجًا عن ظروف خارجة عن إرادة الطرفين، لا عن تصرف متعمد من أحدهما، وبخاصة المؤمن له. فمتى كان تحقق الخطر خاضعًا بالكامل لإرادة أحد المتعاقدين، انتفى عنصر الاحتمال، وهو جوهر التأمين. فمثلاً، لا يجوز التأمين على حادث يستطيع المؤمن له التحكم فيه بشكل كامل أو التسبب فيه بإرادته، كأن يؤمّن على شيء ثم يتعمد إتلافه ليستفيد من مبلغ التأمين. ومضمون هذا الشرط أن يكون الخطر قائمًا على عنصر المفاجأة وعدم اليقين، بحيث لا يملك أي من الطرفين التحكم المطلق في حدوثه، وإلا تحول العقد إلى وسيلة غير مشروعة للإثراء بلا سبب.
(ب) حالتان يجوز فيهما التأمين من الخطأ العمدى :
الأصل في عقد التأمين أنه لا يجوز التأمين من الخطأ العمدي، لأنه يُخالف النظام العام ويُفرغ العقد من غايته التأمينية، إذ لا يصح أن يؤمِّن الشخص على نتائج أفعاله المتعمدة. ومع ذلك، أجاز القانون استثناءً التأمين من الخطأ العمدي في حالتين محددتين:
-
إذا صدر الخطأ العمدي من الغير: يجوز التأمين من الأضرار الناتجة عن فعل عمدي يرتكبه الغير، كأن يؤمّن شخص على ممتلكاته ضد الحريق، ويتسبب الغير عمدًا في إشعال الحريق. ففي هذه الحالة يظل المؤمن ملتزمًا بالتعويض، لأن العمد لم يصدر من المؤمن له نفسه.
-
في التأمين من المسؤولية: يُسمح بالتأمين ضد المسؤولية الناشئة عن خطأ عمدي يُسأل عنه المؤمن له، طالما أن هذا الخطأ صدر عن أحد التابعين أو العاملين لديه، دون علمه أو تحريضه، ويُسأل عنه على أساس التبعية. فالتأمين هنا لا يغطي العمد لذاته، بل يغطي المسؤولية القانونية التي يتحملها المؤمن له نتيجة فعل عمدي صادر من غيره ممن يسأل عنهم قانونًا.
الشرط الرابع : أن يكون الخطر قابلا للتأمين :
من الشروط الأساسية في عقد التأمين أن يكون الخطر قابلاً للتأمين، أي ممكن التغطية من الناحية القانونية والفنية والاقتصادية. ويقصد بذلك أن يكون الخطر مشروعًا، وأن تتوافر بشأنه معايير فنية تُمكن شركة التأمين من تقدير احتمال وقوعه وتحديد مقدار القسط المناسب لتغطيته. فلا يجوز التأمين على أخطار تتعارض مع النظام العام أو الآداب، كالتأمين على أعمال غير مشروعة أو على نتائج جرائم. كما لا يكون الخطر قابلاً للتأمين إذا كان غير قابل للتقدير أو القياس، أو كان من طبيعة خاصة تجعل احتمالاته غير منتظمة، كالتأمين على المشاعر أو على أحداث غير محددة المعالم. ويُشترط كذلك ألا يكون الخطر جسيمًا على نحو يستحيل معه على شركات التأمين تحمل نتائجه.
التأمين لمصلحة الخليلة :
يُعد التأمين لمصلحة الخليلة – أي لشخص تربطه بالمؤمن له علاقة غير مشروعة – من صور التأمين الباطلة إذا تبيّن أن العلاقة التي تربط المؤمن له بالمستفيد تُخالف النظام العام والآداب. فالمصلحة التأمينية يجب أن تكون مشروعة، ويُشترط لصحة التأمين لمصلحة الغير أن تكون للمستفيد مصلحة قانونية أو أدبية معتبرة في بقاء المؤمن له على قيد الحياة أو في سلامة الشيء محل التأمين. أما إذا كان المستفيد "خليلة" للمؤمن له، دون وجود رابطة قانونية كالزواج أو القرابة أو المصاهرة، فإن المصلحة تكون غير مشروعة، ويُعد التأمين باطلًا لمخالفته النظام العام، لأنه يتضمن تشجيعًا ضمنيًا على استمرار علاقة غير مشروعة، ويُفتح الباب أمام الغش أو إساءة استعمال عقد التأمين.
أنواع الخطر
اولا : الخطأ الثابت والخطأ المتغير :
يُقصد بالخطأ الثابت في التأمين ذلك الخطأ الذي تتكرر نتائجه بنفس الصورة تقريبًا عند تكرار الظروف، كالإهمال الدائم في صيانة الآلات أو تجاهل قواعد السلامة، مما يؤدي إلى وقوع نفس الحوادث أو أخطار متشابهة. وهذا النوع من الأخطاء يمكن لشركة التأمين أن تتنبأ به وتقدّره بدقة عند حساب القسط أو عند تجديد الوثيقة. أما الخطأ المتغير، فهو الخطأ الذي لا يتصف بالثبات أو الانتظام، وتختلف نتائجه باختلاف الظروف، كالأخطاء البشرية العرضية أو حالات التهور الفردي. ويصعب التنبؤ بهذا النوع من الأخطاء، ما يجعله أكثر تعقيدًا من حيث التقييم، وقد يدفع شركة التأمين إلى فرض شروط إضافية أو استثناءات خاصة في الوثيقة.
أهمية التفرقة بين الخطر الثابت والخطر المتغير :
تكتسب التفرقة بين الخطر الثابت والخطر المتغير أهمية كبيرة في مجال التأمين، لأنها تساعد شركات التأمين على تقييم درجة الخطورة بدقة، وتحديد مدى قبول التأمين وشروطه. فـالخطر الثابت، بحكم انتظامه وقابليته للتقدير الإحصائي، يُمكّن شركة التأمين من احتسابه ضمن التغطية وتحديد القسط المناسب له، مما يسهل إدارة المحفظة التأمينية واستقرار السوق. أما الخطر المتغير، فيتّسم بعدم الانتظام وصعوبة التنبؤ به، وقد يُعرض الشركة لخسائر غير متوقعة، مما يدفعها إلى وضع قيود أو استثناءات أو فرض أقساط أعلى. ومن ثم، فإن التفرقة بين النوعين ضرورية لتحقيق التوازن بين الحماية التأمينية والاعتبارات الفنية والمالية للمؤمن.
ثانيا : الخطر المعين والخطر غير المعين :
يُقصد بالخطر المعين في عقد التأمين، ذلك الخطر الذي يكون محددًا بذاته وقت التعاقد، سواء من حيث طبيعته أو مكانه أو زمن وقوعه المحتمل، مثل التأمين ضد حريق مصنع معين أو غرق سفينة محددة. أما الخطر غير المعين، فهو الخطر الذي لا يكون محددًا بشكل دقيق عند إبرام العقد، بل يُشار إليه بصفة عامة أو ضمن مجموعة محتملة، كالتأمين على أي سيارة يستخدمها المؤمن له في نشاطه، أو على البضائع خلال فترة شحن معينة دون تحديد السفينة. وتكمن أهمية التفرقة بينهما في مدى سهولة تقييم الخطر وتقدير القسط، إذ يسهل تقدير الخطر المعين بدقة، بينما يتطلب الخطر غير المعين احتياطات إضافية أو شروطًا خاصة لضمان تغطيته بشكل سليم.
أهمية التفرقة بين الخطر المعين والخطر غير المعين :
تُعد التفرقة بين الخطر المعين والخطر غير المعين ذات أهمية كبيرة في عقد التأمين، لما لها من أثر مباشر على مدى وضوح محل العقد وسهولة تقييمه. فـالخطر المعين يتميز بأنه محدد من حيث الزمان أو المكان أو الطبيعة، مما يتيح لشركة التأمين تقييمه بدقة وتحديد القسط المناسب له، ويقلل من فرص النزاع عند تحقق الخطر. أما الخطر غير المعين، فغالبًا ما يتسم بالعمومية أو الغموض، مما يصعّب على المؤمن تقدير مدى احتمالية وقوعه أو حجم الأضرار الناتجة عنه، ويستلزم بالتالي شروطًا أكثر دقة وتفصيلًا في الوثيقة. ومن هنا، تساعد هذه التفرقة في تحقيق التوازن بين وضوح الالتزامات وسلامة التغطية التأمينية، بما يخدم مصلحة الطرفين ويحدّ من المنازعات.
الإستبعاد الإتفاقي لبعض الأخطار :
يُقصد بالاستبعاد الاتفاقي أن يتفق طرفا عقد التأمين – المؤمن والمؤمن له – على إخراج بعض الأخطار من نطاق التغطية التأمينية، رغم أنها داخلة في الأصل ضمن نوع التأمين المتفق عليه. ويتم ذلك بإدراج شروط استبعاد صريحة في وثيقة التأمين، يُستثنى بموجبها تغطية حوادث معينة، كالحروب، أو الكوارث الطبيعية، أو الأضرار الناتجة عن الإهمال الجسيم أو الفعل العمدي. وتكمن أهمية هذا الاستبعاد في تمكين شركة التأمين من ضبط المخاطر التي تتحملها، وتفادي التزامات تفوق قدرتها، شريطة ألا يكون الاستبعاد غامضًا أو تعسفيًا، وألا يُخالف النظام العام. كما يجب إبراز هذه الشروط بشكل واضح في الوثيقة حتى تكون ملزمة، خاصة وأنها تقيد من نطاق حماية المؤمن له.
أكبر محامى قضايا المدنى المستشار / محمد منيب المحامى
13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774