إستحقاق الأجر في حالة المنع عن العمل لأسباب ترجح إلى صاحب العمل في القانون المدني
إذا مُنع العامل من أداء عمله لأسباب ترجع إلى صاحب العمل، كإغلاق المنشأة أو وقف الإنتاج أو نقل العامل دون مبرر قانوني، فإنه يستحق أجره كاملاً رغم عدم قيامه بالعمل فعليًا، وذلك تطبيقًا لمبدأ "من تسبب في الحرمان من العمل يتحمل تبعاته". ويُعد هذا من قبيل تنفيذ العامل لالتزامه بطريقة عرض العمل أو الاستعداد له، بينما يُسأل صاحب العمل عن تعطيل التنفيذ. ويؤكد القانون المدني هذا الحكم، حماية للعامل باعتباره الطرف الأضعف، ويُعامل في هذه الحالة كما لو كان قد أدى العمل فعليًا، لأن الامتناع لم يكن بإرادته أو بسبب راجع إليه.
صاحب العمل هو المكلف بإثبات السبب الأجنبي :
إذا امتنع العامل عن أداء العمل أو تعذر عليه التنفيذ، فإن الأصل أن يستحق أجره طالما كان مستعدًا للعمل ولم يصدر عنه تقصير. وفي حال ادّعى صاحب العمل وجود سبب أجنبي أدى إلى تعذر تنفيذ العمل – كالقوة القاهرة أو حادث مفاجئ لا يد له فيه – فإنه يكون مُكلفًا بإثبات هذا السبب الأجنبي، باعتباره يدّعي أمرًا يُعفيه من التزامه بدفع الأجر.
وهذا ما تقضي به القواعد العامة في الإثبات، حيث يقع عبء الإثبات على من يتمسك بالأمر غير المعتاد. ويجب أن يثبت صاحب العمل أن السبب الأجنبي كان لا يمكن توقعه أو دفعه، وأنه كان السبب المباشر في توقف العمل، وإلا بقي ملتزمًا بأداء الأجر للعامل رغم التوقف.
لا يشترط حضور العامل يوميا إلى مكان العمل :
لا يُشترط لحصول العامل على أجره أن يحضر فعليًا إلى مقر العمل يوميًا، بل يكفي أن يكون مستعدًا ومهيأً لأداء العمل وفق ما تقتضيه طبيعة وظيفته، ما دام لم يصدر عنه تقصير أو رفض للتنفيذ. ويُستفاد هذا من أن الالتزام في عقد العمل هو التزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، كما أن هناك صورًا كثيرة للعمل لا تقتضي التواجد الدائم، مثل العمل الميداني أو عن بُعد أو بالمهام.
وبالتالي، فإن مجرد عدم التواجد اليومي لا يسقط حق العامل في الأجر ما دام ذلك يتم برضا صاحب العمل أو بحكم طبيعة العمل المتفق عليها، أو إذا كان الغياب راجعًا لسبب خارج عن إرادته ومشروعًا في ذاته.
إستحقاق العامل الأجر عن كامل المدة التي يعمل فيها :
يستحق العامل أجره عن كامل المدة التي يعمل فيها فعليًا، سواء أُنجز العمل المطلوب منه في وقت أقل أو امتد طوال ساعات العمل المحددة، ما دام قد وضع نفسه تحت تصرف صاحب العمل والتزم بأداء ما يُطلب منه ضمن حدود العقد. ويشمل ذلك كل الفترات التي يُلزم العامل بالتواجد فيها في مقر العمل أو خارجه إذا كان ذلك بتكليف من صاحب العمل.
ويُعد الأجر مقابلاً للزمن الذي يُخصّصه العامل لخدمة رب العمل، وليس فقط لما يُنجزه من نتائج، ما دام قد التزم بواجباته. كما يُستحق الأجر كاملاً عن أيام العمل، حتى لو تفاوت الجهد المبذول خلالها، طالما أن العامل لم يُقصّر ولم يخل بالتزاماته.
حق صاحب العمل في تخفيض ساعات العمل :
يملك صاحب العمل، في نطاق سلطته التنظيمية، حق تنظيم وتوزيع ساعات العمل، ويشمل ذلك تخفيض ساعات العمل متى اقتضت مصلحة المشروع ذلك، كحالات ضعف النشاط أو التغير في ظروف السوق أو لأسباب فنية أو اقتصادية مشروعة، بشرط ألا يكون في هذا التخفيض تعسف أو إخلال بحقوق العامل الجوهرية.
كما يجب ألا يؤدي هذا الإجراء إلى المساس بالأجر المستحق إلا إذا كان الأجر مرتبطًا بساعات العمل الفعلية، وكانت طبيعة العقد تسمح بذلك. ويشترط أن يكون التخفيض مؤقتًا أو مبررًا، وأن يتم إخطار العامل به، مع مراعاة أحكام القانون والاتفاقات الجماعية، حتى لا يُعد إجراءً غير مشروع أو تعديلًا ضارًا بالعامل يتم بغير رضاه.
ما يتقاضاه العامل يأخذ وصف الأجر :
كل ما يتقاضاه العامل من مبالغ مالية أو مزايا عينية بمناسبة عمله يُعد في الأصل من قبيل الأجر، طالما كان يؤدي إلى تعزيز دخله ويُمنح له لقاء ما يقدمه من جهد أو في مقابل التزامه بالعقد. ويشمل ذلك الأجر الأساسي، بالإضافة إلى ما يُعرف بملحقات الأجر، مثل العمولات، والحوافز، والبدلات، والمنح الدورية، والنسب من الأرباح أو الإنتاج، وغيرها.
والعبرة في وصف المقابل بأنه "أجر" ليست بتسميته في العقد، بل بطبيعته ووظيفته، أي إذا كان يؤدي إلى مكافأة العامل على عمله أو لارتباطه الواضح بالأداء الوظيفي. ويترتب على هذا الوصف خضوع ما يتقاضاه العامل للضمانات القانونية المقررة للأجر، كالحماية من الحجز، والأولوية في السداد، وعدم جواز النزول عنه إلا في الحدود التي يجيزها القانون.
إستحقاق العامل الإحتياطي لأجره :
يستحق العامل الاحتياطي لأجره، أو ما يُعرف بالأجر عن الوقت الذي يكون فيه العامل مستعدًا لأداء عمله لكن لم يُكلَّف فعليًا به، متى وُجد في مكان العمل أو وُضع تحت تصرف صاحب العمل وفق مقتضيات العقد. فطالما أن العامل قد التزم بالحضور ووضع نفسه تحت تصرف رب العمل، فإن له الحق في الأجر الكامل أو الجزء المتفق عليه، حتى لو لم يُسنَد إليه عمل فعلي في هذا الوقت، لأن عدم تكليفه لا يرجع إليه، بل إلى تنظيم العمل الذي يتحكم فيه صاحب العمل.
ويُعد هذا الأجر الاحتياطي صورة من صور حماية العامل من تحكم جهة العمل، ويُعامل قانونًا معاملة الأجر العادي من حيث الضمان والاستحقاق.
منع العمل لأسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل :
إذا مُنع تنفيذ العمل لأسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل، كالحروب أو الكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو القرارات الإدارية العامة التي تُوقف النشاط، فإن التزامه بدفع الأجر يُعلّق خلال مدة التوقف، ما دام السبب الأجنبي قد جعل تنفيذ العمل مستحيلًا استحالة مطلقة ومؤقتة دون خطأ منه. ويشترط في السبب القهري أن يكون غير متوقع، ولا يمكن دفعه، وأن يؤدي إلى توقف كلي أو جوهري في تنفيذ الالتزام.
وفي هذه الحالة، لا يُسأل صاحب العمل عن الأجر خلال فترة التعذر، لأنه يكون في حكم المانع المشروع. ومع ذلك، يجوز للجهة القضائية المختصة أو التشريع الخاص أن يُقر استحقاق العامل لأجر جزئي أو دعم تعويضي في بعض الحالات مراعاةً للعدالة الاجتماعية وظروف العامل.
المنع من العمل بسبب الإضراب :
إذا مُنع العامل من أداء عمله بسبب الإضراب، فإن أثر ذلك على استحقاق الأجر يتوقف على طبيعة الإضراب ومشروعيته. فإذا كان الإضراب مشروعًا، أي تم وفقًا للقانون وأصوله (مثل الإخطار المسبق وارتباطه بمطالب مهنية مشروعة)، فإن العامل لا يُعد ممتنعًا عن العمل دون وجه حق، ويجوز له المطالبة بالحماية القانونية، لكن لا يُستحق له الأجر عن مدة الإضراب، لأن الأجر يقابل العمل فعليًا أو الاستعداد له، وهو ما لا يتوافر في هذه الحالة.
أما إذا كان الإضراب غير مشروع أو صاحبه عنف أو تعطيل جسيم للعمل دون مبرر قانوني، فإن العامل لا يستحق الأجر، وقد يُعرض نفسه كذلك للمساءلة التأديبية أو إنهاء العقد.
عدم سريان النص على العامل المفصول :
لا يسري حكم استحقاق الأجر في حالات المنع عن العمل على العامل المفصول، لأن علاقة العمل تكون قد انتهت قانونًا بقرار الفصل، وبالتالي لا يظل العامل في مركز قانوني يسمح له بالمطالبة بالأجر عن فترة الانقطاع التالية للفصل، طالما لم يُقض ببطلان هذا الفصل أو عدم مشروعيته.
فالفصل يضع حدًا للرابطة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، ومن ثم لا يمكن اعتبار العامل – بعد فصله – في حالة استعداد للعمل أو تحت تصرف صاحب العمل، وهو الشرط اللازم لاستحقاق الأجر أو ما يعادله. أما إذا طعن العامل على الفصل وثبت أنه غير مشروع، فيُعتبر الفصل كأن لم يكن، ويستحق العامل حينها الأجر عن المدة التي حُرم فيها من العمل دون وجه حق.
حكم قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 :
قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 هو الإطار التشريعي الأساسي الذي ينظم علاقات العمل الفردية والجماعية في مصر، ويهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب الأعمال، مع توفير الحماية القانونية للعامل باعتباره الطرف الأضعف. وقد تضمن القانون أحكامًا تفصيلية تتعلق بعقد العمل، وساعات العمل، والأجور، والإجازات، والتأمينات، وإنهاء الخدمة، والإضراب، فضلًا عن قواعد الصحة والسلامة المهنية وتنظيم عمل النساء والأطفال.
ويُعد هذا القانون من القوانين الأمْرة في كثير من مواده، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها إذا كان فيه انتقاص من حقوق العامل، ويُطبق إلى جانب القواعد العامة في القانون المدني كلما خلا العقد أو العرف من حكم صريح، مما يجعله المرجع الرئيسي في تنظيم علاقات العمل في مصر.
مكتب المستشار محمد منيب
📍 التواصل مع مكتب المستشار محمد منيب الخبير فى قضايا المدني والعقود والإيجارات
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774